أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
إنهم في هذه المقولة ـ يريدون أن يتهموه بأنه كان يُعظّم الحجر الأسود ـ بل ويُعظّم الكعبة كلها بالطواف حولها، وهي حجر لا يختلف ـ في زعمهم ـ عن الأحجار التي كانت تُصنع منها الأوثان في الجاهلية، وكأن الأمر سواء!!
وحقيقة الأمر أن من بعض ما استبقاه الإسلام من أحوال السابقين ما كان فيه من تعاون على خير أو أمر بمعروف
ونهي عن منكر، من ذلك ثناء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حِلف كان في الجاهلية يسمى " حِلف الفضول "، وهو عمل إنساني كريم كان يتم من خلاله التعاون على نصرة المظلوم، وفداء الأسير، وإعانة الغارمين، وحماية الغريب من ظلم أهل مكة، وهكذا..
وقد أثنى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هذا الحلف، وقال: "لو دعيت إلى مثله لأجبت".
وأيضًا كان مما استبقاه الإسلام من فضائل السابقين مما ورثوه عن إبراهيم - عليه السلام - تعظيمهم للبيت الحرام وطوافهم به؛ بل وتقبيلهم للحجر الأسود.
وهناك بعض مرويات تقول إن هذا الحجر من أحجار الجنة.
وهنا فقط لا يكون أمامنا إلا ما ثبت من أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يُقبل الحجر الأسود عند طوافه بالبيت، وهو ما تنطق به الرواية عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال عن تقبيله لهذا الحجر: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يُقبلك ما قبلتك).
وهنا نقول:
من المستحيل أن يكون تقبيل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للحجر الأسود من باب المجاراة أو المشاكلة لعبدة الأصنام فيما كانوا يفعلون.
ومستحيل أيضًا أن يكون ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد فعل ذلك - أي تقبيل الحجر الأسود - دون وحي أو إلهام وجّهه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى تقبيل الحجر بعيدًا بعيدًا عن أية شبهة وثنية أو مجاراة لعبدة الأصنام.
ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: [خذوا عنى مناسككم]؛ فقد أصبح تقبيل الحجر الأسود من بعض مناسك الحجاج والعمّار للبيت الحرام.
كما أن تعظيم الحجر الأسود هو امتثال لأوامر الله الذي أمر بتعظيم هذا الحجر بالذات، وهو سبحانه الذي أمر برجم حجر آخر كمنسك من مناسك الحج؛ فالأمر بالنسبة للتعظيم أو الرجم لا يعدو كونه إقرارًا بالعبودية لله تعالى وامتثالاً لأوامره عز وجل واستسلامًا لأحكامه.